أين تقع قيادة المرأة السيارة ؟
د. هند القحطاني
وسط لهيب المشاعر المتحفزة، والأصوات المتصارخة، ومابين المدافعين والمهاجمين تضيع القضية ويتوه الهدف، ويتجه الجميع للنقاش حول التفاصيل والملابسات وينسوا الأساس الذي ابتدأوا منه..
قيادة المرأة، السجن، 17يوليو، حقوق المرأة السعودية، الظلم والتخلف..كلها كلمات دارت حولها نقاشات مطولة ملأت السمع والبصر..
ولأنني امرأة .. ولأنني سعودية .. ولأنني أملك في داخلي أحلام كبار لازلت أسعى لها لإصلاح مجتمعنا .. كتبت هذه السطور .. لاأدعي فيها أني أصل إلى رأي أو حل ولكنها محاولة لوضع النقاط على الحروف وإعادة قراءة الموضوع من وجهة نظري الشخصية.
ومنافع لناس ..
ابتداء لابد أن نقرر مبدأ قرآنيا عظيما، وهو الإنصاف بلا تعدي ولا مجاوزة .. ويظهر هذا جليا حين تحدّث القرآن الكريم عن الخمر – ويكفي أن نتخيل رجلا ثملا أو امرأة لعبت الخمر في رأسها لنتفق على تحريمها – إلا أن الآيات حين نزلت قال الله الحكم العدل : ( يسألونك عن الخمر والميسر قل فيهما إثم كبير ومنافع للناس) ولكن لإن الله الخالق الكريم يعلم أن (إثمهما أكبر من نفعهما) كان التحريم من أجل الحفاظ على الجنس البشري وحماية لعقله .
هذه التربية القرآنية تجعلنا نتناول قيادة المرأة من باب الإنصاف .. ولا يمكن للعقول السليمة أن تنكر تلك المنافع المتأتية من قيادة المرأة للسيارة ولو لم يكن منها إلا إيقاف مسلسل الانفراد بالسائق لكفى .. ولاأظن أننا بحاجة لسرد المنافع فقد تكلم عنها وسردها غيري كثير ..
وهنا قف معي قليلا .. وأرجوك أيها القارئ الكريم .. أن تساعدني في فهم بعض الإشكالات !
- المدافعون يتكلمون عن أهمية قيادة المرأة في التخفيف من مصاريف السائقين عن كاهل الأسر السعودية.. وأهمية ذلك في رفع موازنات الدولة الاقتصادية والتخفيف من أعداد العمالة المستقدمة ويعرضون لذلك أرقام وبجانبها أصفار وأصفار ..
هل هذا الكلام الحقيقي ؟؟
هل هذا الحاصل في الكويت وقطر والامارات ؟
هل تعرف بيت في الكويت أو قطر أو الامارات ليس فيه سائق ؟
دعنا نفكر بصوت عالي .. هل ستذهب الفتاة لتشتري مقاضي البيت الكثيرة وتحمل كيس السكر والرز ؟؟
هل ستسيقظ الفتاة مبكرا بعد الفجر لتتمكن من توصيل إخوتها الصغار إلى المدارس قبل أن تذهب هي لجامعتها ؟؟ هل ستحمل اسطوانة الغاز للبيت ؟
هل يفعل ذلك أصلا الرجل السعودي ؟ هل يفعل ذلك الابن السعودي ؟
سؤال مهم أن نجاوبه قبل أن نقول أن الأم السعودية ستفعل ذلك أو أن البنت السعودية ستفعل ذلك ..
ليرقص الرجل فرحا بمزيد من التحرر من مسؤولياته ..
ولتنوء أكتافنا نحن بمزيد من المسؤوليات .. !
حسنا .. حللنا مشكلة العمالة الوافدة من السائقين بقيادتنا للسيارة ..
فكيف سيكون الحل لمشكلة العمالة الوافدة من الخادمات ؟؟
زادت معدلات خروجنا من البيوت والتي لم تقتصر على العمل الصباحي فقط، فاحتجنا أن نستقدم أحدا ليقوم بمهامنا المفترضة .. الخادمة توقظ الأولاد للمدارس تمشط شعورهم وتعدّ لهم حقائبهم وتجهز طعام الفسحة وتلبسهم أحذيتهم .. توصلهم للمدرسة تعود فتطبخ الغداء وتنظف البيت في سلسلة معروفة في كل أسرة سعودية ابتداء من الدخل المحدود إلى الدخل العالي .. بل هو سيناريو متكرر حتى في كثير من الأسر التي تستلم رواتب الضمان الاجتماعي والتي نطلق عليهم ( أسر فقيرة) !
بإنصاف وعدل .. لماذا لم يلتفت أحد إلى حقوق هؤلاءء الأطفال الذين تربيهم الخادمات للتسمين فقط ! فتراهم مرتبين مهندمين لكنهم فارغين إلا من العقد النفسية حيث لا قيم ولامبادئ .. هي جلسة أو طلعة واحدة في الاسبوع والتي يظن الأب والأم أنهم بها غسلوا تراكمات أسبوع كامل من التجارب والخبرات المكتسبة لأطفالهم في المدرسة ومع الأصدقاء .. ليبقى للخادمة طوال الأسبوع لتتولى مشروع التربية بالتسمين !
أليست الخادمات قضية مؤرقة وتستهلك كثير من ميزانية الأسرة السعودية ؟ قد يكون هناك سائق واحد لبيت لكن قد يكون هناك ثلاث خادمات لنفس البيت !!
مشاكل التحرش وهروب الخادمات وعصابات التأجير وقصص السحر و قتل المواليد كلها أخبار يومية تعودها الشارع السعودي ولكن لم نسمع أحدا يطرح حلا من نوع : يجب أن نوقف مسلسل الخادمات وتقوم المرأة بمسؤولياتها .. ولم نسمع بحملات على الفيس بوك من نوع : سأقود بيتي بنفسي !!
نحن نتخيل أنفسنا نفعل أي شيء خارج البيت .. وزيرة ..مديرة روضة .. خادمة طائرات عفوا أقصد مضيفة .. طباخة رائدة في مطعم ماما عبلة !
ولكن لا نتخيل أنفسنا نفعل الشيء نفسه في البيت .. لانتخيل أنفسنا ونحن نرعى شؤون بيتنا ونقضي الوقت الأكبر مع أطفالنا .. بل للأسف قد ننظر لهذه المهام بنوع من الدونية والتخلف !
كيف تغير تفكيرنا ؟؟
كيف رمينا عرائسنا الصغيرة ونسينا لعبة المطبخ الصغير تحت السرير ؟؟
من أدخل الفتاة في سباق محموم مع الفتى وأصبحت البنت في منافسة غير متكافئة مع الولد .. تريد أن تنافسه في العمل والحياة والشارع ! فأول نجارة سعودية وأول سباكة سعودية .. خط تصنيع معدلات ثقيلة بأيادي ناعمة ..
هل هذه إنجازاتنا التي نفخر بها ؟
صمام الأمان في البيت ماذا يُبقي لها العمل والشارع والازدحام من أعصاب لتدخل البيت متعبة يرتمي صغيرها في حضنها يسرد كمسجل أحداث اليوم بكل التفاصيل التي حصلت له ..
أن تخسر الأسرة الأب الهارب إلى استراحته وصومعته مأساة يخففها أم تسد الخلل وتضمد الجرح .. ولكن أن تفقد الأسرة الاثنين معا .. فتلك مأساة حقيقية !!
هل أنا أبالغ و أكبر القضية ؟؟ أتمنى ذلك .. لكن ليس هذا ماتخبر به الدراسات !
لن أتحدث عن عالم الغرب "المتحضر" فصيحات التحذير التي أطلقها علماء الاجتماع من نسيجهم الاجتماعي المهترئ حتى النخاع قد صم الآذان .. وسأعود لبلادنا وأكتفي هنا فقط بنسبة واحدة مروعة، حيث وصلت نسبة الطلاق في المنطقة الشرقية إلى نسبة 4:1 أي من كل أربع حالات زواج هناك ثلاث حالات طلاق مقابل حالة زواج ناجحة فقط !!
نسبة مروعة لأحلام شباب وفتيات أرادوا أن يكونوا أسرة سعيدة .. وحينما نصل إلى مجتمع يفشل في تكوين النواة الأولى نكون قد فشلنا في شيء كثير .. كثير جدا ! لايمكن أن يقدّر بالأرقام ..
[COLOR="DarkRed"]من أوصلنا إلى هذا المستوى ؟
يتبع